الحياة فرصة واحدة فإما فلاح
الراشدين وإما عثرات النائمين ... الحياة فرصة لا تحتمل نوماً ثقيلاً ، ولا جلوساً طويلاً ، الحياة صفحة بيضاء
فإما تاريخ الناجحين وإما نوم الغافلين ! وإذا كانت النفوس كباراً .... تعبت في مرادها الأجساد . ومن علامة كمال
العقل علو الهمة ! والراضي بالدون دنيء . ولم أر في عيوب الناس عيباً ... كنقص القادرين على التمام . يقول
شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : العامة تقول : قيمة كل امرئ ما يحسن ، والخاصة تقول : قيمة كل امرئ ما
يطلب . اه
وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى : وما تقف همة إلا لخساستها ، وإلا فمتى علت الهمة فلا تقنع
بالدون ، وقد عُرف بالدليل أن الهمة مولودة مع الآدمي ، وإنما تقتصر بعض الهمم في بعض الأوقات ، فإذا حُثّت
سارت ، ومتى رأيت في نفسك عجزاً فسل المنعم ، أو كسلاً فسل الموفّق فلن تنال خيراً إلا بطاعته ، فمن الذي
أقبل عليه ولم ير كل مراد ؟ ومن الذي أعرض عنه فمضى بفائدة ؟ أو حظي بغرض من أغراضه ؟ اه يظل
العنكبوت من حين يولد ينسج لنفسه بيتاً ولا يقبل منّة الأم ، والحية تطلب ما حُفر لها إذ طبعها الظلم ، والغراب
يتبع الجيف ، والصقر لا يقع إلا على الحيِّ ، والأسد لا يأكل البايت ، والخنفسا تُطرد فتعود . اجتمع عبد الله بن
عمر ، وعروة بن الزبير ، ومصعب بن الزبير وعبد الملك بن مروان في فناء الكعبة فقال لهم مصعب تمنوا
فقالوا : ابدأ أنت ، فقال : ولاية العراق ، وتزوّج سكينة ، وعائشة بنت طلحة بن عبيد الله فنال ذلك وأصدق كل
واحدة خمس مئة ألف درهم وجهزها بمثلها . وتمنى عروة بن الزبير الفقه وأن يُحمل عنه الحديث فنال ذلك ،
وتمنى عبد الملك الخلافة فنالها ، وتمنى عبد الله بن عمر الجنة وتلك همم القوم ، وآمالهم . ولقد قال الأول :
وقائلة : لم غيرتك الهموم وأمرك ممتثل في الأمم
فقلت : ذريني على غصّتي فإن الهموم بقدر الهمم
قم يا أيها الحبيب واركل كل عثرة في الطريق ، واكتب للناس قول القائل :
ومن يتهيّب صعود الجبال يعش أبداً تحت الحفر
قم يا أيها الفاضل إلى الدنيا ، قم فاكتب على صفحاتها قول القائل :
قلت للصقر : وهو في الجو عالٍ اهبط الأرض فالهواء جديب
قال لي الصقر : في جناحي وعزمي وعَنان السماء مرعىً خصيب
قم يا أيها الصادق إلى هذه الحياة الطويلة واكتب على صفحاتها ذكرياتك الجميلة . قم إلى الحياة فخلّد فيها معاني
النضال والحرية الحقيقية ، قم إليها مبتسماً متفائلاً مقبلاً إقبال الهمام ولا يغرنّك ما فات منها فإنها لا زالت سانحة ،
وفي العمر بقية ، وصفحة الحياة لا زالت بيضاء ، والقلم لم يغمد بعد . قم ولا تلتفت إلى كبوات الماضي فهي
سلالم النجاح اليوم ، قم بشرط أن تكون متفائلاً ، راضياً ، هماماً ، طموحاً . هذه الحياة أحوج ما تحتاج إلى همة
عالية ، وابتسامة صافية ، وتفاؤل عريض ، وقلب وفيٌّ حبيب ، وقبل ذلك وبعده صدق في الإقبال على الله تعالى
فما نيلت الفردوس الأعلى إلا بآمال الفالحين الصادقين . هذه كلمات .. وهي بعض ما أكتبه على جدار الزمن .